اختيار مكان المسجد النبوي:
لم يكن اختيار مكان المسجد من النبي -صلى الله عليه وسلم- ولا من أهل المدينة، وإنما كان حيث بركت ناقته القصواء بأمر الله -تعالى-، حيث قال: (دَعُوهَا فَإِنّهَا مَأْمُورَةٌ!)، فلما وصلت إلى ما وصلت إليه وبركت لم ينزل عنها ابتداء، فنهضت وقامت ودارت وتلفتت كالمستطلع، ثم رجعت إلى مكانها الأول، ومدت عنقها، فقال -صلى الله عليه وسلم-: (إنه المنزل إن شاء الله) ونزل، وأعين الصحابة ترتقب هذا المنظر المهيب، وهذا الموضع الآن في الروضة الشريفة عند المنبر الشريف.
وقد كان محل بروكها نخيلًا ومربدًا -مكان تجفيف النخل- لغلامين يتيمين وهم: سهل وسهيل -رضي الله عنهما.
وقد يعود سبب عدم اختيار النبي -صلى الله عليه وسلم- لموضع المسجد مباشرة حتى لا يغضب الطرف الآخر، ويعود الصراع ويتأجج، فجعل اختيار المكان عائد لبروك الناقة، وهذا من حكمته -صلوات الله وسلامه عليه.
وفي هذه الأثناء أخذ أبو أيوب الأنصاري رحل النبي -صلى الله عليه وسلم- ودخل به إلى منزله، فسأل النبي -صلى الله عليه وسلم- عن رحله، فقال الصحابة: دخل به إلى منزله أبو أيوب -خالد بن زيد بن كليب الخزرجي الأنصاري، من بني النَّجَّار أخوال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وهو ممن شهد بيعة العقبة الثانية- فقال النبي -صلى الله عليه وسلم: (المرء مع رحله)، فسكن عند أبي أيوب حتى فرغ من بناء مسجده وبيته.
وتشترك المساجد الثلاثة التي تشد لها الرحال: المسجد الحرام، والمسجد النبوي، والمسجد الأقصى، إضافة إلى مسجد قباء، بكون مكان بنائها ليس من اختيار الرسل والأنبياء، وإنما هو بأمر الله -عَزّ وَجَلّ.
فالمسجد الحرام لما جاءه إبراهيم -عليه السلام- لم يكن يعلم بمكان البيت (وإذ بوأنا لإبراهيم مكان البيت)، فقال له ربه: انظر إلى السحابة حيث تأتي وتظل فخط على ظلها وابن البيت، ونزل إبراهيم بالحفر وأقام قواعد إبراهيم وبنى البيت، فكان التحديد من الله.
وبيت المقدس، حينما أراد الله بناءه أوحى إلى نبيه داود أن ابن لي بيتًا، قال يا رب: أين أبني هذا البيت؟ قال: حيث ترى الفارس المعلم شاهرًا سيفه.
بناء المسجد النبوي الشريف:
كان بناء المسجد النبوي في الأرض التي بركت عليها (القصواء) ناقة الرسول -صلى الله عليه وسلم- وبها قبور المشركين، وكان فيها خرب، وفيها نخل، فأمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بقبور المشركين فنبشت، وبالخرب فسويت، وبالنخل فقطع، وصفوا النخل قبلة المسجد، وجعلوا عضادتيه حجارة، وجعلوا ينقلون ذلك الصخر وهم يرتجزون، ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- معهم، وجعل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول وهو ينقل معهم التراب:
«هذا الحمال لا حمال خيبر * هذا أبر ربنا وأطهر»
ويقول:
«لا هم إن الأجر أجر الآخره * فارحم الأنصار والمهاجره»
الوصف العمراني للمسجد في عهد الرسول -صلى الله عليه وسلم-:
كان أول أمر المسجد جدارًا لا سقف له، وقبلته إلى بيت المقدس، ومساحته سبعون ذراعًا في ستين، ثم بني أساسه على عمق ثلاثة أذرع تقريبًا، وجدرانه من اللبن، وسقفه من الجريد، وعمده من خشب النخل -الجذوع-، وله ثلاثة أروقة في الجهة القبلية، وله رحبة وثلاثة أبواب:
الأول: جهة الجنوب، حيث كانت القبلة شمالًا إلى جهة بيت المقدس، ولما تحولت القبلة جنوبًا إلى الكعبة سُدّ الباب الجنوبي وفتح بابًا جهة الشمال.
الثاني: باب عاتكة -وهو باب الرحمة- في جهة الغرب.
الثالث: باب آل عثمان -وهو باب جبريل- في جهة الشرق.
التوسعة الأولى للمسجد النبوي في عهد الرسول -صلى الله عليه وسلم- في سنة (7 هـ):
زاد النبي -صلى الله عليه وسلم- في توسعة المسجد من جهة الشرق والغرب والشمال، وذلك بعد عودته من غزوة خيبر في السنة السابعة للهجرة، وصار المسجد مربعًا طوله مئة ذراع، وعرضه مئة.
وقد توالت التوسعات للمسجد النبوي عبر العصور حتى يومنا هذا، وفي عهد حكومتنا الرشيدة كانت أولى عمارة للمسجد النبوي في عهد المؤسس الملك عبد العزيز آل سعود -طيب الله ثراه-، وذلك من خلال التوسعة السعودية الأولى، ثم أكملها الملك سعود -رحمه الله- من بعده، ثم تتالت توسعات الحرم النبوي إلى عهد الملك فهد بن عبد العزيز -رحمه الله- حيث كانت أكبر توسعة للحرم النبوي في عهده، وبإذن الله تكون التوسعة العاشرة في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز -حفظه الله ورعاه.
إرسال تعليق