مجلة اقتفاء مجلة اقتفاء
recent

آخر المقالات

recent
random
جاري التحميل ...
random

عسفان التاريخ والآثار

 

عسفان التاريخ والآثار



محمد بن إبراهيم المحمدي

   عسفان اكتسبت أهمية استراتيجية وتاريخية، وقد بدأت أهميتها مع بداية طريق القوافل بين اليمن والشام قبل البعثة النبوية وبعدها، فضلًا عن بقية طرق القوافل التجارية والدينية بين مكة والمدينة، واليوم عسفان في تنامي مستمر حتى ارتقت وتطورت، خصوصًا بعد مرور الطرق الى جدة وبين مكة والمدينة بها.
   وعلى مدخل عسفان للقادم من جدة تقف قلعة تعرف بـ "قلعة عسفان" بنيت أيام الدولة العباسية، أو قبلها، وبنيت من صخور "البازلت" التي جُلبت من الحرات المجاورة، والتي تحف وادي عسفان التاريخي. 
   لقد كانت هذه القلعة توفر الحماية للقوافل التجارية وقوافل الحجاج، والمسافر من مكة إلى المدينة بطريق الهجرة يشاهدها على يساره، وتم إعادة هيكلتها وترميمها في عهد الدولة السعودية، وأنشئ لها درج سهّل الصعود إليها. 
   وقد ذكرها ابن جبير حين مَرّ بها في رحلته بالقرن السادس الهجري، وفي القرن الثامن مرّ بها الرحالة ابن بطوطة وذكرها في رحلته.
وكانت قبائل كنانة، وخزاعة تسكن عسفان أيام النبي -صلى الله عليه وسلم-، إذ كانت تمتد مساكن بعضها من منتصف وادي قديد إلى عسفان جنوبًا، وكان -عليه الصلاة والسلام- يفضل المرور بها قبل فتح مكة المكرمة؛ لأنهم كانوا حلفاء لعبد المطلب. 
   وسميت عسفان لأن الأودية تعسف بها، ومن أهم هذه الأودية: وادي مدركة وروافده، وادي حشاش، وادي هدى الشام الذي يعبر سهل الشامية، والمقيطع، والمحسنية، وادي الصغو، وادي فيدة، وغيرها، وتجتمع جميعها في عسفان ثم تنحدر غربًا عبر سهل الغولاء فتصب في البحر الأحمر عند ذهبان.
   وتعد عسفان البوابة الشمالية لمكة المكرمة، وممر طريق الأنبياء واستراحتهم، حيث مر بها صالح وهود وإبراهيم -عليهم السلام- ومحمد -صلى الله عليه وسلم-، وجميع الأنبياء والرسل الذين حجّوا البيت مروا بعسفان واستراحوا بها.
    وفي غزوة عسفان هبط سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم- ومعه 200 من المسلمين عسفان وبعث فارسين وصلا كراع الغميم فعادا بهدف بث الرعب في قلوب كفار قريش، وقد نجحوا في تحقيق ذلك. 
   ويطيب لقوافل المسافرين أن تحط بها وتقيم، وفيها تتخلص من وعثاء السفر وتتزود بما تحتاج من غذاء وماء، حيث يوجد بها العديد من الآبار العذبة، وتعد بئر التفلة من أشهرها، ومنها ما حفر في عهد سيدنا عثمان -رضي الله عنه-، مثل بئر عثمان، علاوة على العديد من الآبار القديمة المطوية بالحجر.
   كما أن عسفان تمتاز بهوائها النقي، فهي محاطةٌ بجبالٍ تصد عنها تيارات الغبار، وأرضها زراعية خصبة، وكان أهلها يهتمون بالزراعة منذ القِدَم، حيث وادي الصغو الشهير بوفرة وجودة انتاجه من الدخن، حيث مزارعه العثرية، وغيره من الأودية. 

ماء الرجيع (الوطية): 

    ماء دائم التدفق على سطح الأرض، وغير متأثر بسقوط الأمطار وتدفق السيول في بقاءه، فقد ذكر المؤرخ عاتق بن غيث البلادي أن نبع الوطية هو ماء الرجيع. فيما قال آخر: إنه بهدى الشام، وذكر آخر إنه بوادي مدركة. 
   في غزوة الحديبية بعث النبي -صلى الله عليه وسلم- عينًا من خزاعة إلى مكة، وفي "غدير الأشطاط" أتاه الخزاعي وقال بأن قريشًا جمعت لك الجموع وهم مقاتلُوك وصادُّوك عن البيت، فقال-صلى الله عليه وسلم-: أشيروا عليّ أيها الناس، فقال أبو بكر: يا رسول الله خرجت عامدًا إلى هذا البيت لا تريد قتل أحدٍ ولا حرب أحد، فتوجه إليه فمن صدنا عنه قاتلناه، فقال: أمضوا على اسم الله.
    وما أن وصل المعتمرون مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى عسفان حتى لقيه بِشر بن سفيان الكعبي فقال: يا رسول الله هذه قريشٌ قد سمعت بمسيرك فخرجت معها ... العود المطافيل قد لبسوا جلود النمور يعاهدون الله ألا تدخلها عليهم عنوةً أبدًا.
    وهذا خالد بن الوليد في خيلهم قد قدموا إلى "كراع الغميم"، فقال -عليه الصلاة والسلام-: يا ويح قريش لقد أكلتهم الحرب، ماذا عليهم لو خلوا بيني سائر الناس فإن أصابوني كان الذي أرادوا، وإن أظهرني الله عليهم دخلوا في الإسلام وهم واقرون، وإن لم يفعلوا قاتلوا وبهم قوة فما تظن قريش؟ والله إني لا أزال أجاهدهم على الذي بعثني الله له حتى يظهره الله أو تنفرد هذه السالفة.
    وعن أبي عياش الزرقي قال كنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعسفان وعلى المشركين خالد بن الوليد فصلينا الظهر فقال المشركون لقد أصبنا غِرة لو حملنا عليهم وهم في الصلاة فنزلت الآية لصلاة الخوف فصلوها.
    وهناك ثنية عسفان الوجه الجنوبي من (ثنية غزال) -وتذكر بثنية الوداع في المدينة المنورة- وهي بمثابة بوابة طبيعية بين حرة صويك وحرة موقلة، وأقصى شمالها حد عسفان مع محافظة خليص حيث غران، ومنها تعبر القوافل قديمًا والسيارات حاليًا.
سوق عسفان القديم: 
   لم يتبق من مباني سوق عسفان القديم سوى بعض أطلاله التي تؤكد أصالته وتشهد على عراقة ماضية، ويعد عسفان سوق عامرة منذ العصر الجاهلي حتى اليوم، وشهد حراكًا تجاريًا كبيرًا، ولا تزال عسفان بسوقها تشكل مركزًا لتقديم الخدمات للحجاج والمسافرين والعابرين، ولسكان المحافظات والمراكز المجاورة لها، بما توفره محلاتها من سلع بالجملة والقطاعي، وقد ساعد موقع عسفان المحوري المتوسط لتكون كذلك.
    وعسفان بيئة استثمارية وصناعية خصبة وواعدة، وتمثل مجال التوسع الشرقي وبطول ٤٠ كلم لمدينة جدة، وبها منطقة صناعية وسوق للنفع العام أنشئت لخدمة المدن.
    ومن أبرز المسميات التاريخية بها: كراع الغميم، وحَرّة ضجنان، وثنية غزال، وماء الرجيع، وغدير الأشطاط.
ومما قيل عن عسفان قول حليم العرب سيد بني تميم، الأحنف بن قيس، حيث قال: «إن الجائع لا يتجاوز همه عسفان».

إرسال تعليق

التعليقات



تطبيق مجلة اقتفاء

تطبيق مجلة اقتفاء
يمكنك تحميل تطبيق مجلة اقتفاء ومتابعة كل جديد

جميع الحقوق محفوظة

مجلة اقتفاء

2021